الحمل في النحو بين واقع اللغة وميتافيزيقا التعليل وهندسة التجريد: المؤتمر الحادي عشر: العربية الفصحى بين الجوهر والحداثة

Research output: Chapter in Book/Report/Conference proceedingConference contribution

Abstract

أراد النحويون أن تكون العربية حكيمة في أصل وضعها، فرأوا أن الحكمة العقلية تقتضي أن تطرد العربية في ظواهرها لتكون على نسق واحد مُحْكَم، فلمّا استقرؤوا الظواهر المطردة في صرف العربية وتركيبها ربطوها بعلل حكيمة، ثم رأوا ألفاظًا وتراكيب تخرج عن العلل الميتافيزيقية التي تخيّلوها، فلم يقبلوا أن يعيدوا النظر في مخططهم النظري الحكيم؛ بل اعتبروا هذه الشواذ فروعًا على الأصل. ومن هذا أنهم لم يقبلوا تقسيم الكلم إلا إلى ثلاثة أقسام هي الاسم والفعل والحرف؛ لأنهم اعتقدوا –كما قال الزجاجي في الإيضاح في علل النحو- أنه ما من واقعة في الوجود إلا ولها ثلاثة عناصر هي وجود فاعل يفعل فعلًا مستعينًا بأداة لإنجاز هذه الفعل، وبحسب هذه العلة العقلية أرادوا إخضاع أسماء الأصوات وأسماء الأفعال والظروف والكنايات إلى قِسْم الأسماء، فلمّا رأوا أن حدّ الأسماء -وهو قَبُولها أن تكون مسندًا إليه- ليس منطبقًا على أسماء الأصوات ولا أسماء الأفعال ولا الظروف ولا الكنايات اقترحوا علامات شكلية ومعنوية تُعْرَف بها الأسماء تكفي واحدة منها لاعتبار الكلمة اسمًا إذا قبلتها، ومن أمثلة العلامات الشكلية قبول كلمة (بعد) للجر نحو (مِن بعدِهم)، ومن العلامات المعنوية قبول (إذا) لمعنى (زمن أو وقت)، وبالحمل على المعنى تارة والحمل على اللفظ تارة أخرى أدخلوا كثيرًا من الكلم في أقسام الأسماء.
استعار ابن جني في "الخصائص" من الأصوليين الفقهاء مصطلحات ومفاهيم عدة، فجعل النظرية النحوية (أصول النحو) كأصول الفقه، وتابعه منظّرون من بعده أشهرهم أبو البركات الأنباري، وصار الحَمْل -وهو أحد معاني القياس- دليلًا من أدلة النحو، يستعان به لبيان حكمة العربية وحين وضعها، ولإلحاق الفروع بالأصول، وفصّلوا له أنواعًا كثيرًا بحسب زوايا النظر، فقد نظروا إلى نوع الركنين (المقيس والمقيس عليه) فتحدثوا أنواع من الحمل يمكن أن نسميها: الحَمْل الفطري، والحَمْل الاشتقاقي، والحَمْل التضميني، والحَمْل التوهمي، والحمل الشاذ. ونظروا إلى تطابق الركنين فتحدثوا عن حمل النظير على النظير في اللفظ والمعنى، وحمل الضد على الضد في اللفظ والمعنى، وحمل النظير على نظيره في اللفظ وخلافه في المعنى، وحمل النظير على نظيره في المعنى وخلافه في اللفظ. وبهذه النظرة ابتكروا هندسة عجيبة لاستنباط المهمل من التراكيب والصيغ في العربية، ولكنهم في جانب آخر خرجوا عن واقع اللغة في أمور وغلّبوا رغبتهم في اطراد اللغة على قياس واحد.
ونحن إذ ندرس هذا الموضوع نريد تحقيق هدفين رئيسيين:
1) أن نبين الأثر الإيجابي لهذا الحمل، والأثر السلبي؛ لننطلق إلى أُفُق مراعاة العربية بما هو أنسب لطبيعة واقعها.
2) أن نبيِن قدرة نظرية السبر على تفريع الحمل تفريعات أخرى لم يتطرق إليها القدماء، وهي نظرية وضعناها وشرحنا هنا جوانب مهمة منها لمحاولة إثبات قدرتها على معالجة القضايا في العلوم المختلفة معالجة جديدة تقود إلى طرح جل الأوجه التي ينبغي النظر من خلالها إلى القضية الواحدة.
Original languageArabic
Title of host publicationالحمل في النحو بين واقع اللغة وميتافيزيقا التعليل وهندسة التجريد
Publisherالمجلس العالمي للغة العربية
Publication statusPublished - Jan 15 2015

Cite this